الدرس الثاني: البنك المركزي
السلطة النقدية- البنك المركزي.
أولاً: تعريف المصرف المركزي.
يعتبر البنك المركزي السلطة العليا التي تأتي على هرم النظام النقدي في أي دولة كانت ، وعلى هذا فإنه يعتبر مؤسسة تشغل مكانا رئيسيا في سوق النقد ، وهذا بخلاف الحال عن البنوك التجارية ، فمن البديهي والمسلم به أن الهدف الرئيسي للبنك المركزي ، إنما يكمن في خدمة الأهداف الاقتصادية العامة حتى في البلدان التي تتخذ من الربح كشعار لمبادئها ومقومات وجودها ، ومن هذا المنطلق فإنه يمكننا أن نقدم بعض التعاريف الاصطلاحية للبنك المركزي ، التي هي كثيرة ومتنوعة ، ولكن أغلبها مستمد من الوظائف التقليدية والحديثة للبنوك المركزية :
" البنك المركزي مؤسسة تقف على قمة النظام المصرفي جميعه بسوقيه النقدي و المالي ويطلق عليه في نفس الوقت بنك البنوك وبنك الحكومة، ويقوم البنك المركزي بوظيفة أساسية هي الرقابة والتحكم في عرض النقود والإشراف على السياسة الائتمانية بصفة عامة"
"البنك المركزي هو المؤسسة التي تشغل مكانا رئيسيا في النظام المصرفي، والهدف الرئيسي من سياسته ليس تحقيق الأرباح بل خدمة المصالح الاقتصادية والمالية العامة".
ثانياً: وظائف المصرف المركزي.
قد تتشابه الوظائف التي تقوم بها البنوك المركزية في معظم بلدان العالم ولكن الواضح أن درجة تطبيق هذه الوظائف تختلف من بيئة اقتصادية لأخرى ويمكننا أن نجمل الوظائف التي تقوم بها البنوك المركزية في العصر الحديث في الوظائف التالية:
1. وظيفة الإصدار(بنك الإصدار):ويعني هذا أن البنك المركزي ينفرد بوظيفة إصدار النقود القانونية ، ووظيفة إصدار أوراق البنكنوت هي أولى وظائف البنك المركزي والوظيفة الأساسية التي تميزه عن البنوك التجارية العادية ، وهذا ما يفسر في هيمنة سلطته على جميع البنوك في الجهاز المصرفي ، فعندما أصبحت أوراق النقود (البنكنوت) عملة قانونية ذات قوة إبراء غير محدودة زادت مكانة البنك المركزي داخل الجهاز المصرفي، كما أن تركيز وظيفة الإصدار في بنك واحد نتج عنه ما يلي:
زيادة ثقة جمهور المتعاملين في الأوراق النقدية المصدرة (صفة القبول العام)،
تمكين البنك المركزي من التأثير على حجم الائتمان من خلال التأثير على حجم الاحتياطات النقدية لدى البنوك التجارية.
2. وظيفة المقرض الأخير( بنك البنوك):إن هذه الوظيفة تمثل علاقة البنك المركزي بالبنوك التجارية الأخرى، فعلى اعتبار أن البنك المركزي يقع على قمة الجهاز المصرفي فهو يمثل بذلك سلطة رقابة على جميع البنوك المندرجة ضمن الجهاز المصرفي، وتتلخص سلطته فيما يلي:
تلتزم البنوك التجارية بإيداع جزء من رصيدها النقدي لدى البنك المركزي يعادل نسبة معينة من التزاماتها، وهذه النسبة تحددها إدارة البنك المركزي قصد حفظ حقوق المودعين وتحقيق رقابة فعالة على البنوك خاصة فيما يخص خلق الودائع.
يلتزم البنك المركزي بإتاحة وحدات النقد القانونية لتحقيق السيولة اللازمة لمواجهة المصارف، أي أن نشاطها يخص خلق الودائع ، أما البنك المركزي فإنه يمثل قمة السيولة ، والبنوك التجارية تتوقع إن عاجلا أم آجلا ضرورة تحويل نقود الودائع إلى نقود قانونية ، وهي بذلك تلجأ إلى البنك المركزي الذي يمثل بذلك المقرض الأخير للبنوك التجارية في حالة الأزمات المالية المتعلقة بالسيولة والتي تهدد كيان النظام المصرفي.
يقوم البنك المركزي بدور الوسيط بين البنوك التجارية لتسوية الديون والحقوق الناشئة عن تعدد المعاملات، ويقوم بذلك عن طريق غرفة المقاصة.
3. وظيفة تقديم الاستشارة للحكومة (بنك الحكومة):يعتبر البنك المركزي وكيل الحكومة ، ومستشارها المالي في جميع عملياتها المالية ، وتتلخص خدماته فيما يلي:
يقرض الحكومة عند الحاجة عن طريق إصدار عملات ورقية جديدة مضمونة بالسندات.
مسك حسابات المصالح والمؤسسات الحكومية، حيث أن الحكومة تودع كل أو بعض أموالها لديه، وتسدد ديونها بشيكات مسحوبة عليه.
إصدار ودفع الفوائد وتسديد القروض نيابة عن الحكومة
تقييم الاستثمارات المالية والنقدية للحكومة بهدف اتخاذ الإجراءات المناسبة .
المساهمة في صنع القرارات المالية للدولة والعمل على تنفيذها.
القيام بعمليات التمويل الخارجية ، وتجميع العملات الأجنبية والعمل على توظيفها.
القيام بعملية السداد فيما يخص القروض العامة ، والعمل على تنظيم الدين العام.
4. وظيفة الإشراف على الائتمان وتوجيهه: تعتبر هذه الوظيفة من الوظائف الحديثة للبنوك المركزية ، إذ أنها ترتبط ارتباطا وثيقا بعملية خلق نقود الودائع من قبل البنوك التجارية ، حيث يمارس البنك المركزي رقابة توجيهه على أعمال البنوك التجارية التي تتنوع أهدافها ووظائفها بتنوع الأعمال الاقتصادية داخل الدولة ، ويكون ذلك عن طريق إجراء الفحص الدوري والمفاجئ ، ومراجعة أعمال الإدارة ، والتحقق من كفاية رأس المال والأموال الخاصة ، كما انه يحق له حسب بعض التشريعات الإطلاع على الحسابات المدينة ، كما يمكنه أن يؤثر في السياسة الائتمانية للدولة بفعل أدوات معينة سواء مباشرة أو غير مباشرة ، وعليه يمكننا القول بأن البنك المركزي يشترك مع الحكومة في رسم أهداف السياسة النقدية والعمل على إيجاد الوسائل اللازمة لتحقيقها.
ثالثاً: استقلالية البنك المركزي.
نقصد باستقلالية المصرف المركزي: "استقلالية الصيرفة المركزية مرتبطة باستقلالها في إدارة السياسة النقدية بعيدا عن تدخل السلطة التنفيذية بما لا يسمح بتسخير السياسة النقدية لتمويل العجز في الموازنة العامة، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع التضخم، وترتبط استقلالية البنك المركزي بطبيعة أهداف السياسة النقدية ، فبقدر ما تكون ملتصقة بهدف استقرار الأسعار بقدر ما تكون مستقلة ، وعندما يكلف بأهداف أخرى ، فذلك يحد من استقلاليته".
فالاستقلالية إذن تعني حجم السلطة والحرية المخولة أو الممنوحة للبنك المركزي في رسم و تصور السياسة النقدية، ومن ثم إمكانية مساءلته و بالتالي فنحن في حاجة إلى أشخاص آخرين لإدارة أعمال البنوك المركزية بخلاف المسؤولين عن الإنفاق العام يتمتعون بوضع قانوني مستقل و يعملون من أجل تحقيق المصلحة العامة.
رابعاً: دوافع الاتجاه نحو استقلالية البنوك المركزية
هناك عدة دوافع للاتجاه نحو استقلالية البنوك المركزية وهذه الأسباب نتجت عن العلاقة بين البنوك المركزية والسلطات التنفيذية، و المتمثلة أساسا في الخزينة العامة ،وهناك عدة دراسات و تجارب أثبتت ضرورة التوجه نحو استقلالية البنوك المركزية عن السلطات التنفيذية للدولة، ونذكر من بين هذه الأسباب والدراسات ما يلي:
سعي الحكومة للسيطرة على البنوك المركزية لتوجيه السياسة النقدية بما يخدم سياستها المالية والاقتصادية، بصفة عامة، ووصل الأمر إلى حد فرض تطبيق بعض السياسات النقدية التي تساهم في التضخم وتخدم الموازنة العامة ( كالإصدار النقدي بدون مقابل للعملة).
انهيار نظام (بروتن وودز) وظهور ظاهرة التضخم في كل من الدول الرأسمالية المتقدمة وكذا الدول النامية ، حيث كان ينظر إلي ظاهرة التضخم كنتاج للسياسة النقدية المطبقة من قبل البنوك المركزية ، تحت ضغط السلطات السياسية وكل هذا أدى إلى إعادة النظر في ترتيب السياسة النقدية للبنوك ،بما يؤدي إلى تخفيض معدلات التضخم ، وهذا يعني الاستقلال عن السلطات التنفيذية.
تأثير الاقتصاد السياسي على السياسة النقدية ، وذلك ما يسمى ( الدورة السياسية للنشاط الاقتصادي )، والتي يرجع أساسها إلى ما لوحظ من تأثير لنتائج الانتخابات على الوضع الاقتصادي قبل وأثناء الانتخابات، وذلك بهدف إحداث رواج اقتصادي قبل تاريخ الانتخابات حتى ولو كان رواجا قصير المدى، فالمهم عندهم أن يستمر الرواج لحين نجاحهم في الانتخابات.
نتائج بعض الدراسات التي قامت بقياس استقلالية البنك المركزي، وكل هذه الدراسات اجتمعت على أن وجود بنك مركزي مستقل في دولة ما، من شأنه أن يؤدي إلى خفض معدلات التضخم دون التأثير السلبي على معدلات النمو ، وبالتالي هذه الدراسات نادت بضرورة استقلالية البنوك المركزية.
الارتباط بين استقلالية البنك المركزي، وبين استقرار الأسعار كهدف رئيسي للسياسة النقدية.
إن استقلالية البنوك المركزية عن الحكومة تجعله لا يخضع لها ، وذلك في حالة طلبها و إلحاحها على الإصدار النقدي الفائض ،لأن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار داخل إقليم الدولة ( زيادة التضخم ).